حين يتصاعد الضباب من تحت أقدامك كأنه أرواح الشجر الهاربة من حرارة الصيف، وتتناثر الغيوم على قمم الجبال مثل وشاح نُسي فوق كتف الريح، يظهر منتزه السودة، لا كمكان وحسب، بل كنبضٍ حيّ يتردد صداه بين الأعماق.هنا لا تُشاهد الجمال، بل تعيشه.السودة ليست موقعًا جغرافيًا، إنما حالة شعرية تتكاثف كالمطر فوق قلبك، وتُحوّل كل نفسٍ تتنفسه إلى تجربة من نوع آخر.
كيف تصل إلى السودة؟ الطريق نحو الأعالي
يقع منتزه السودة في منطقة عسير، تحديدًا إلى الغرب من مدينة أبها، التي لا تبعد عنه سوى 20 كيلومتر تقريبا.السفر إليه هو بحد ذاته مقدمةٌ لعذوبة المغامرة. من مطار أبها، يمكنك استقلال سيارة، أو الحجز مع إحدى الجولات السياحية المنظمة.وأنت تصعد الطريق، تبدأ الأشجار تزداد كثافة، والهواء يصبح أكثر نقاءً، وفي لحظة ما – دون أن تشعر – يتحول العالم حولك إلى لوحة معلقة بين السماء والضباب.أحيانًا يكون الطريق ضبابي لدرجة لا ترى فيها سوى أمتار أمامك، لكن ذالك هو ما يجعل الرحلة أكثر سحرًا، وأكثر شاعرية.
الإقامة: النوم على وسادة من سُحب
الإقامة هنا تختلف. إنها ليست مجرد غرف تُغلق عليها الباب، بل أمكنة تتنفس معك.
فندق السودة ريزورت (Al Sooda Resort):
غرفه تطل مباشرةً على مشاهد تفوق الخيال، الغيم يُلامس الشرفة، والهدوء يحتضنك بنعومة

الطعام في السودة: طقوس الطعم والرائحة
في السودة، الطعام لا يُأكل فقط، بل يُعاش.كل وجبة تشبه قصيدة فلكلورية تُروى على مائدة من خشب.
مطعم قمة السودة:
من الأعلى، ترى السحاب يمشي بين الأطباق. يقدم المأكولات الشعبية مثل العصيدة والمضغوط والفطير، وكل نكهة تحكي قصة قديمة.
مطاعم أبها القريبة
مثل الشلال ودوار العسل، حيث التوابل تتكلم والبهارات تُغني.
أكشاك القهوة:
لا تفوّت فنجان قهوة عربية تحت شجرة عرعر، تحضّره إمرأة مسنّة ببطء وتقدم لك ابتسامة أدفئ من الفحم.النكهات هنا مش بس لذيذة، بل مليانة دفء.
ماذا تفعل؟ الأنشطة التي تُحرّك الروح
التلفريك: تجربة لا تنسى.
تعبر من فوق وديان سحيقة، وتشعر بأنك تطير… لا مجازاً، بل فعلاً.المشي بين الأشجار: استنشق عبير الصنوبر، واستمع لصوت قدميك وهو يخطو على أوراق خريفٍ لم يسقط بعد.

الطيران الشراعي:
اقفز من فوق القمة، وامنح الريح حقها في حملك.

زيارة القرى التراثية:
قرى كأن الزمن توقف فيها. جدرانها تروي، وأبوابها تئنّ من الحنين.
المهرجانات الموسمية:
في موسم السودة، تتحول الجبال إلى مسارح، وتمتزج الأهازيج مع عبق البخور والمطر.
لماذا السودة دون غيرها؟
لأنها لا تحاول أن تبهر، بل تُدهش بهدوء.لأنها لا تصرخ بجمالها، بل تُغمرك به برقةٍ مدهشة.كل شيء فيها يبدو كأنه خرج لتوه من حلم ناعم، وكل لحظة تمضيها هناك تنطبع على روحك كما تنطبع قطرات الندى على نافذة فجرٍ شتوي.ربما، السودة لا تُرى بالعين فقط، بل يجب أن تُحسّ، وتُسمع، وتُشمّ.
السودة ليست مجرد منتزه… بل قصيدة تكتبها الطبيعة على جبين الجبل.فهل ستدعها تمر دون أن تعيش بيتًا منها؟